20 - 06 - 2024

 الصراع الانتخابي فى زمن "شرنوخ"

 الصراع الانتخابي فى زمن

 فشلت كل عمليات التجميل التى جرت لوجه الإنتخابات الرئاسية، بل انها بدلاً من تجميله زادته قبحاً، واسوداداً،تلك النتيجة متوقعة لأن كل بوصلة لا تشير الى الشعب هى بوصلة مزيفة، كاذبة، وكما تحقق الوصول السريع للمنافقين والأفاقين، والأمن النسبى لغير الفاهمين فانها تسلب أصحاب المبادىء أدواتهم فى الدفاع عن حق هذا الشعب فى الحرية وحقوق المواطنة، ليبقى الصادقون قابضين على الجمر.

 ما بين تخوين وتهجير،واقصاء، وسجون. لم يكن من المأمول اسوداد الصورة هكذا مع حلول الذكرى السابعة لثورة يناير ، لكنه الواقع الذى تتقاذفه الأجهزة متصارعة لمن تكون اليد العليا فى إدارة الحبكة السياسية، التى انتهت بمشهد الإنتخابات الذى مزقوه وأضروا بكافة أطرافه. وأضاعوا الإستحقاقات التى أفرزتها لنا ثورتا يناير و30يونيو .

إذ أنها المرة الأولى – بعد ثورة يناير- التى تأتى فيها الانتخابات فى وجود رئيس على المقعد، فانتخابات 2012 كانت عقب المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة من المجلس العسكرى للرئيس المنتخب حينها، محمد مرسى،الذى لم يكن رئيساً إلا لأهله وعشيرته وجماعته، وحينما أطاحت به ثورة 30 يونيو، تسلم المستشار عدلى منصور-رئيس المحكمة الدستورية العليا- حينها مقاليد البلاد طبقاً لأحكام الدستور، حتى انتخابات 2014 حينما ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسى، اذ لم يكن منصور رئيساً منتخباً على المقعد، ومن هنا يأتى الاختلاف.

المشهد الانتخابى الحالى يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، فالبرغم من إنها انتخابات محسومة الخاتمة لصالح السيسى إلا أن الوضع التنافسى الذى سبق إغلاق باب الترشح، كشف قمعاً مرعباً لا تمارسه السلطة فقط، وإنما يمارسه المواطنون بعضهم على بعض، بعد تلاوة قائمة طويلة من الاتهامات بالعمالة والتخوين والتمويل التى مللنا الحديث عنها، وجفت حلوقنا صراخاً حتى تتوقف المنابر الإعلامية عن تزكية الإنقسام بين المصريين،وتأجيج مشاعر العداء، التى لم تفضى حتى الآن إلا إلى شقاق،وتقييد،وتكميم للأفواه وبالتالى عجز عميق فى الحياة الحزبية، وتوارى المعارضة الحقيقية بكوادرها، فكل من يتحدث خائن، وكل ما يعارض عميل، وكل من يريد تقلد موقع قيادى انتهازى ووصولى، إن كل من يفعل ذلك مُجرم، لأن المعارضة الجادة المُتزنة هى التى تحفظ للأوطان ديُمقراطيتها،وبالتالى أمنها. وتوقف الصراعات والانقسام،وتقود للسلام والاختلاف الصحى.

لا يوجد فى العالم بلد بدون معارضة.إذا أضفنا الى الحرب على المعارضين، الترهل المتجزر فى الحياة الحزبية نجد النتيجة التى ظهرت للجميع فلم تقدم الأحزاب ولا المعارضة مرشحاً واحداً، ولو من باب خطوة على طريق الديمقراطية، لأن الترشح لا يعنى بالضرورة الوصول للنجاح .كما أن تأييد مرشح بخلاف السيسى لا يعنى الخيانة او الجحود، لكنها الحياة السياسية والعملية الانتخابية التى يجب أن تسير بشكل يليق بمكانة مصر أمام العالم كله.

من رحم الواقع خرج مشهد مغاير للإنتخابات السابقة فى عام 2014، فحتى كتابة هذه السطور لم يكن هناك مرشحاً حقيقياً سوى الرئيس السيسى الذى لا يختلف أحد على حقه فى الترشح لفترة ولاية ثانية، يكمل خلالها مشروعاته التنموية!! منحه 550 عضواً من أعضاء مجلس النواب 550 تفويضا للترشح، ذلك المجلس الذى واجبه مساءلته فى نهاية مدة ولايته قبل مُبايعته، لذلك فإن توكيلاتهم لا تعكس أمراً صحياً، أو شعبية كاسحة، إنما تعكس انتهازية وضيق أفق من البرلمانيين، وهيمنة من السلطة على المجلس الذى من المفترض أنه يُعبر عن الشعب، بل ويعكس خللاً فى التركيبة البرلمانية، التى يجب أن تعبر عن كل أطياف الشعب من مؤيدين ومعارضين.

حتى الهيئة العليا للإنتخابات أصابها ما أصاب الجميع من اضطراب فى ضبط البوصلة، فراحت لتعلن يومياً وجود مليون وثلاث مئة الف توكيل لأكثر من عشرين مرشحا، دون ذكر لاى منهم أو عرض قائمة بالأسماء ، وكأنه سر من الأسرار الحربية، فلم نعلم سوى أسماء من أعلنوا الترشح بشخوصهم،واحدث اعلانهم جلبة وضجيجاً فى الشارع السياسى، وكان على رأسهم الفريق احمد شفيق الذى غاب خمس سنوات ليعود معلناً ترشحه ثم تراجعه فى دراما غير مفهومة،يرفضها الشارع الذى هو أذكى من أى سلطة، أيضاً لا أحد ينسى العميد أحمد قنصوة المحكوم عليه بالسجن ست سنوات لاعلانه الترشح فى نوفمبر الماضى، لكن من يجب التوقف عنده هو الفريق سامى عنان الذى بدا للبعض منافساً قوياً، لولا ما اعلنته القوات المسلحة من مخالفات ارتكبها فى بيانه الذى القاه للمواطنين، وقبل ان يذاع البيان تم القبض عليه وايداعه السجن الحربى.

 واحقاقاً للحق أن البيان الذى القاه الفريق سامى عنان لم يترك مناهضاً للسيسى إلا وداعبه فى بيانه، الأمر الذى كان ينبىء بتفجير قنبلة فى وجه الوطن اذا استمر الوضع هكذا، خاصة بعد إعلانه التحالف مع اثنين من أكثر المناهضين لحكم السيسى، للترويج لحملته، وهما المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، والدكتور حازم حسنى الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

ودارت البوصلة فى الإتجاه المعاكس مرة أخرى، لتنقسم النخبة التائهة،سريعاً والتى طالما نادى بعضها بالمقاطعة والبعض الآخر نادى بدعم خالد على باعتباره مرشح المعارضة،لكن ظهور عنان سحب البساط من تحت أقدام خالد بين قوى المعارضة، وانضم اليهم المضارون من الإجراءات الإقتصادية، ممن يميلون الى استمرار الحكم فى يد رجل ذو خلفية عسكرية، طمعاً فى الأمن والأمان وخوفاً من عودة الإخوان الى الحكم مرة أخرى، فوجدوا ضالتهم المنشودة فى عنان. باعتبار عنان الأوفر حظاً،ليصبح عنان مرشح الثورة!! فى أعين البعض، بعد أن هتف ضده الثوار :"يا عنان ياعنان يا عميل الأمريكان" فى 2011 بسبب زيارته المشبوهة إلى أمريكا من 25 الى 28 يناير 2011 .

قد يعتبر البعض القاء القبض على عنان فى مرحلة -بخلاف مرحلة الانتخابات- مكسباً من مكاسب الثورة على اعتبار أن أحداً لن يفلت بفعلته - إن أخطأ - أياً من كان، ولكن المشهد ظهر أمام العالم كما لو كان النظام يتخلص من كل منافسيه،فكلما ظهر منافس اختفى سجيناً أو نادماً أو منسحباً، ولا أعلم من الذى يقدم المشورة للرئيس السيسى؟ أو من الذى يحمل بطاقة خضراء منه فيفعل ما يفعله ليضر به؟

إن ما يحدث مع المرشحين الجادين هو أكبر إساءة ليس لشخص السيسى فقط وإنما لقيمة مصر، العالم كله يرى ما يجرى، العالم كله شاهد مسرحية سيد البدوى، رئيس حزب الوفد، ربما أثلج القلوب -قليلاً- رفض الهيئة العليا للحزب وانتفاضة شبابه ضد مسرحية الانتخابات، لكن ذلك لن يبرر أبداً خروج رئيس حزب عريق مثل الوفد ليعلن أنه "سيترشح لكن سوف يعطى صوته للسيسى"، إنها الكوميديا السوداء .

و"زاد الطين بلة" الإعتداء البدنى بالضرب على المستشار هشام جنينة، وتلفيق اتهام له بدهس رجل يدعى شرنوخ!! وتأليف قصص حول زوجة جنينة التى ضربت واصابت البلطجية،وخيال ضيق لاينتمى لكاتب أفلام " اكشن" درجة عاشرة، فهل تحول جنينة إلى بلطجى ؟ للأسف البعض لا يعى أن الناس- حتى البسطاء منهم – يحتاجون أربع سنوات أخرى ليصدقوا قصة شرنوخ، لأنهم يتعاملون كل يوم مع شرنوخ وأخوات شرنوخ وكل عائلات شرنوخ، ويعلمون ما هى أدواتهم التى لن يستخدمها جنينة.

ومن شرنوخ النظام لاشباح الاخوان التى لا يمكن أن نغفلها، من السهل استنتاج موقف الجماعة تنظيماً ومتعاطفين، من أى مرشح جاد ينازل السيسى حتى لو كان ذو خلفية عسكرية، فإن كتلة الإخوان سوف تنضم الى كتلة المؤيدين له، استناداً الى القاعدة الأقوى فى اللعبة الإنتخابية " اللى تغلب به العب به".

وهكذا يكتمل المشهد التنافسى بين أعداء الثورة،ويتبلور المشهد الإنتخابى ففى القلب منه يتصارع قادة الثورة المضادة على السلطة، وعلى جانبى الطريق يقف الشعب المغلوب على أمره، مرتبكاً حائراً، لا يريد سوى الأمن والعيش، وفى ركن بعيد تجلس النخبة تحلل وتنظر، ثم تنادى بالمقاطعة فتظل عاقراً لا يمكنها تقديم مرشح جاد للسلطة، بل الاكثر من ذلك حينما تواتيها الفرص الجادة لشراكة حقيقية فى العملية الانتخابية تجدها منقسمة تسعى لتصفية الحسابات وهذا ما حدث فى 2014 مع حمدين صباحى وما حدث ايضا مع خالد على ،حتى أن بعض اليساريين القدامى أعلنها أن عنان الأقرب الى المعارضة!!

يا سادة فى طريقنا الى الحريات يجب الا ننسى مبادئنا، لأن ذلك لن يصل بنا إلا إلى طريق مسدود، وغياب مرشح مدنى حقيقى يعبر عن القوى المعارضة لا يبرر فقدان البوصلة والتخبط. المتابع للمشهد يجد أن أكثر ما أربك الوضع و أثار الأزمة، ليس استبعاد عنان، وانما انسحاب خالد على احتجاجاً على القبض على عنان ، فالحسابات الانتخابية، سارت على اعتبار أن خالد حتى لو جمع التوكيلات لن يحصل على أصوات مُشرفة فى المعركة الانتخابية ، وبالتالى ـ يتم ضرب عصفورين بحجر واحد، وهو تصدير صورة تنافسية حقيقية أمام العالم الخارجى من ناحية، والقضاء على خالد على وكل من يؤيده أمام الشارع المصرى باعتبارهم خونة وأن خالد لم يحصد إلا أصوات الخونة،وربما يحاول البعض بالكشف عن أسماء موكليه عقب انتهاء المعركة الإنتخابية، لكن خالد فوت الفرصة على الجميع ، فتسبب فى صدمة للأحزاب التى أعلنت التأييد والمبايعة للسيسى، إعتماداً على وجود مرشح للمعارضة يلعب فى وجهة نظرهم- دور المحلل أمام العالم.وبدلاً من إسقاط خالد، سقط الستار فوق خشبة المسرح وظهرت الكواليس عارية إلا من حقيقة البحث عن مرشح كومبارس .

وفى اللحظات الأخيرة ظهرت وجوه قديمة جديدة مثل موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد، الذي أسسه أيمن نور في عام 2004، وانتهى الصراع بينهما لصالح موسى. أما احمد الفضالى آخر فريق الكومبارس، هو رئيس حزب السلام الديمقراطى، ورئيس جمعيات الشبان المسلمين بالعالم، الذى ظهر على الفضائيات ليعلن ان هيئة العليا للحزب ابلغته بالاختيار ، وكأنه مفعول به، مصدراً أسوأ صورة عن الالتزام الحزبى، كما لو كانت الأحزاب مجرد دكاكين تغلق وتفتح بالأمر المباشر والتوجيهات اللحظية، مهزلة بكل المقاييس، يشارك فيها الإنتهازيون على أعلى مستوى ـ يقدمون فروض الولاء ويجودون الأداء، فيسيئون لمصر وهم لا يتعدون فرقة "طبلجية" فى زفة الإنتخابات الرئاسية.

وما بين اتهام وانسحاب، غابت البرامج الإنتخابية، وسقطت مصالح المستقبل، وتلاشت خطط الإصلاح وجد المصريون أنفسهم أمام صراع الأسماء دون البرامج، فى ظل تلك الفوضى، قفز مبدأ الولاء للحاكم، على حساب الحاكم ذاته، وعلى حساب الشعب، وعلى حساب العملية الديمقراطية، رغم أن الوضع لم يكن يحتاج لكل تلك التمثيليات، فالمادة (36) من قانون الإنتخابات الرئاسية، الصادر في مارس 2014، نصت على أن يتم الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية حتى لو تقدم للترشح مرشح وحيد الأمر كله يتلخص فى صورة الانتخابات امام العالم الخارجى، بعد أن أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً عقب القاء القبض على الفريق سامى عنان ، ذكرت فيه أنها تهتم بان تكون الإنتخابات المصرية صادقة وتنافسية.

من مفارقات الزمن أن هذا المشهد المخزى فى انتخابات المرة الثالثة عقب ثورة يناير، يتزامن مع الذكرى السابعة للثورة، التى ما زالت تئن من الصراع بين قوى المعارضة واستهلاك طاقتها فى الخلافات، وتئن الثورة المضادة من الصراع المحتدم ايضا بين أطرافها،لكنها تصطف وتكسب بينما تظل المعارضة خارج الصورة.وهكذا يبدو المشهد الانتخابى هائجاً مثل موج البحر،لكن من يعلم لعله يحمل فى جوفه مفاجآت.

هامش

المادة 36 من قانون الانتخابات الرئاسية  الصادر في مارس 2014، نصت على أن يتم الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية حتى لو تقدم للترشح مرشح وحيد، أو لم يبق سواه بسبب تنازل باقي المرشحين. وفى هذه الحالة، يعلن فوزه إن حصل على 5% من إجمالي عدد الناخبين المقيدة أسماؤهم بقاعدة بيانات الناخبين. فإن لم يحصل المرشح على هذه النسبة، تعلن لجنة الانتخابات الرئاسية فتح باب الترشح لانتخابات أخرى خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ إعلان النتيجة، ويجرى الانتخاب في هذه الحالة وفقا لأحكام هذا القانون.






اعلان